
الجوهر الغالي في اختصار الدورة العلمية مع الشيخ عوض الكريم عثمان العقلي
موضوع: حب الوطن في ضوء كتب التراث
حب الوطن في القرآن الكريم
الأول: سورة البقرة الآية 84
قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ. في هذه الآية، جعل الله تعالى “الإخراج من الديار” مقارنا ومساويًا “لسفك الدماء” أي القتال. فالإخراج من الوطن مصيبة تضاهي الحرب. وبناءً على مفهوم المخالفة، فإن البقاء في الوطن وعدم الطرد منه يُعدّ من أعظم النعم.
الثاني: سورة البقرة الآية 246
قال الله تعالى: قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا. في هذه الآية، حكى الله تعالى قول بني إسرائيل لنبيهم، بأن الدافع الذي حركهم للقتال هو طردهم من أوطانهم. وسمّى الله تعالى هذا القتال بقتال “في سبيل الله”. ومن هنا، يمكن أن نفهم بأن الدفاع عن الوطن أمر مشروع ومأمور به شرعًا.
الثالث: سورة البقرة الآية 85
قال الله تعالى: ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ. وقوله: “تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ” يعني: “تقتلون بني جنسكم (أي من الإنسان لأنكم تقتلون من هو كأنفسكم)” وليس “تقتلون أنفسكم بالإنتحار”. وفي هذه الآية، جعل الله تعالى الإخراج من الوطن إحدى المصائب الكبرى.
حب الوطن في السنة والسيرة النبوية
هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة؛ لأنه قد ضيق عليه في موطنه، حتى لم يمكن له الإقامة وإقامة الدعوة فيه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّهَا إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ.”
وفي مناجاته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدْ أَخْرَجْتَنِي مِنْ أَحَبِّ أَرْضِكَ إِلَيَّ، فَأَنْزِلْنِي أَحَبَّ أَرْضِكَ إِلَيْكَ.” فكما أحب صلى الله عليه وسلم مكة، أحب صلى الله عليه وسلم “وطنه” الجديد، وهو المدينة. فبعد غزوة تبوك، حين رأى المدينة من بعيد، أشار صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقال: “هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ.” وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة “طابة” وهي مشتقة من “طيبة” وذلك لشوقه وحبه صلى الله عليه وسلم للمدينة. إن هذه الأحاديث المذكورة آنفًا هي أدلة واضحة على حب النبي صلى الله عليه وسلم لوطنه.
حب الوطن في سيرة الصحابة
فكما أُخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، كذلك الصحابة رضي الله عنهم. وحين وصلوا إلى المدينة، أصاب كثيرا منهم حُمى. وتسمى هذه الحُمى بـ”حمى يثرب”. وكان ممن أصابتهم هذه الحمى سيدنا أبو بكر الصديق، وبلال بن رباح رضي الله عنه. عندما اشتد عليهما الحمى، قال سيدنا أبو بكر: كُلُّ امْرِئٍ مُصَبِّحٌ فِي رَحْلِهِ … وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ. وقال بلال: أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَنَّ لَيْلَةً … بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ، وَهَلْ أَرِدَنَّ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةَ … وَهَلْ يَبْدُوَنَّ لِي شَامَةٌ وَطُفَيْلُ
ثم قال: اللَّهُمَّ الْعِنْ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ كَمَا أَخْرَجُونَا مِنْ أَرْضِنَا.
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كثيرًا من الصحابة قد أصابتهم الحمى الشديدة بسبب شوقهم إلى وطنهم، رفع يديه الشريفتين ودعا قائلاً: اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ. وبعد ذلك الحين، لم تصبهم الحمى، و ينمو حبهم للمدينة تدريجياً، مثل حبهم لمكة. إن هذه الوقائع صريحة ووضوح الدلالة على حب الصحابة لوطنهم، الذي هو فطرة الله التي فطر الناس عليها.
ازدهار الدولة وتقدمها
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد: لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ (4)
صرح في هذه الآيات أن الألفة والوحدة بين قبائل قريش هي من أعظم النعم. ومن هنا، يمكن أن نفهم أن الإنسجام والتآلف بين مواطني الدولة هو نعمة عظيمة. وفي هذه السورة الكريمة، ذكر الله أيضاً أن من نعمه تعالى الكبرى التي أنعمها على قريش رحلاتهم التجارية في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام. وكان أول من بدأ هذان الرحلتين هو جد رسول الله صلى الله عليه وسلم، السيد هاشم، الذي كان اسمه عمرو. وقد لقب بـ “هاشم” (يعني المقطّع) لأنه كان يقطّع قِطَعاً من الثريد الذي يشتريه من الشام ويقدمها لأهل مكة في عام المجاعة. قال الشاعر:
عَمْرٌو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ *** قَوْمٌ بِمَكَّةَ مُسْنَتِينَ عِجَافِ
سُنَّتْ إِلَيْهِ الرِّحْلَتَانِ كِلَاهُمَا *** سَفَرُ الشِّتَاءِ وَرِحْلَةُ الْأَصْيَافِ
ونفهم من سورة القريش أيضاً أن التقدم الإقتصادي والأمن هما جانبان أساسيان في ازدهار الدولة وتقدمها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا.
بيّن هذا الحديث أن ازدهار الدولة يتحقق بتحقيق الصحة، والتقدم الإقتصادي، والأمن لسكانها. إذا تحققت هذه الأمور، فقد نال أولئك السكان جميع نعم الدنيا.
مجال سياسة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة
إذا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واجه صلى الله عليه وسلم مجتمعًا متعدد الأعراق والأديان. ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل بناء المدينة التي تضم هذا المجتمع المتنوع وثيقة المدينة التي اتفق عليها المسلمون واليهود وعبدة الأوثان. وتُعد هذه الوثيقة أول معاهدة بين الأديان في العالم.
وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على تطوير اقتصاد المدينة. ومن قبلُ كان الحاكمون على اقتصاد المدينة هم اليهود. ثم تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدور بشكل طبيعي بعد أن قوي اقتصاد المسلمين. بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تطوير اقتصاد المدينة بإنشاء السوق الذي هو مركز اقتصادي في منطقة الزوراء. وأصبح هذا الشوق مركزاً اقتصادياً رئيسياً في المدينة.
حثّ رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتمع على التطور في كل مايعود نفعه إلى الأمة. قال صلى الله عليه وسلم: إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا. هذا الحديث حث على كل مسلم بفعل كل ما يعود نفعه للمجتمع. وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ.
ويشمل قوله صلى الله عليه وسلم “إماطة الأذى عن الطريق” تحقيق الأمن وإزالة كل ما يضر المجتمع، وكذلك حماية المجتمع من الأفكار والأفهام المنحرفة. وفي مجال التعليم، جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأدى بعض أسرى بدر بتعليم عشرة صبيان المسلمين القراءة والكتابة. وهذا يدل على اهتمامه صلى الله عليه البالغ بمجال التعليم الذي يعد المادة الأساسية لتقدم الدولة.
هناك العديد من الأمثلة الأخرى لسياسة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كلها تؤدي إلى استنتاج أن جهود النهوض بتقدم الدولة هي أمر مأمور به من قِبل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في بيت الشعر: وَلِلأَوْطَانِ فِي دَمِ كُلِّ حُرٍّ … يَدٌ سَلَفَتْ وَدَيْنٌ مُسْتَحَقُّ.
كل مواطن عليه مسؤولية النهوض ببلده الذي يعيش على أرضه، ويتعلم فيه، ويأكل ويشرب من أرضه. كل ما قدمته الدولة هو دَين الذي يجب أن يقضى ببذل كل جهد لأجل تقدمها وازدهارها.
حب الوطن أمر فطري للإنسان
حب الإنسان لوطنه أمر جبلي وفطرة الله التي فطر الناس عليها. وقد صرح بذلك الأديب الكبير الجاحظ في البيان والتبيين قائلاً: “الإنسان مجبول على حب الوطن والنفس تأنس بما ألفت من أرض وناس.” وفي حالة الأمن، لا نشعر قيمة الوطن. لكن إذا فقدنا الوطن وأُخرجنا منه، سندرك إدركا تاما قيمته. وقد نقل ابن قتيبة الدينوري في “عيون الأخبار” عن بعض الحكماء: “ثلاث لا يُعرف فضلها إلا بفقدها: الصحة والأمن والوطن.”
وكذلك ذكر الشريف الرضي في “نهج البلاغة” – وهو كتاب يُنسب إلى أقوال سيدنا علي رضي الله عنه، وإن كان مشكوك في صحة هذه النسبة – ما يلي: “عمرت البلدان بالأمان وصلحت المعايش بالسياسة.” من خلال الأدلة التي قد تم ذكرها يمكن أن نستنتج بأن حب الوطن أمر مطلوب شرعا. وأنه فطرة إنسانية قال ابن خلدون في مقدمته : “الإنسان مدني بطبعه يحن إلى موضع نشأته.”
المحرر: أحمد زيني مصباح الدين الشعاري
المؤلف: محمد باكوس فاتح الرضا (طالب المرحلة الثانية للفصل الدراسي الثالث من المعهد العالي ليربيا كديري)
Ahmad Mihyal Manutho Muhammad
19 Okt 2025
Fenomena terbaru menunjukkan penilaian sepihak terhadap pesantren. Artikel ini hadir untuk menjawab tuduhan miring tersebut
Muhammad Afin
19 Okt 2025
Tulisan ini merefleksikan adab penuntut ilmu dalam Kisah Nabi Musa dan Nabi Khidir, sebuah telaah tafsir
Redaktur
08 Okt 2025
Artikel ini membahas tentang urgensi bermazhab bagi umat Islam
Fuad Amin
04 Sep 2025
Budaya Maulid Nabi menurut Pandangan Hadrotussyekh KH. Hasyim Asy’ari dalam kitabnya
Redaktur
19 Agu 2025
Membedakan antara rekonstruksi dan kontekstualisasi hukum Islam
Redaktur
17 Agu 2025
Merenungi makna Sila Kedua Pancasila di Hari Kemerdekaan RI ke-80
08 Nov 2025 85 views
Ribuan mahasantri Marhalah Ula ikuti pengarahan dan sosialisasi penulisan risalah
02 Nov 2025 220 views
Peserta Dauroh Penguatan Ilmu Hadits Aswaja Ma’had Aly Lirboyo ikuti Imtihan Niha’i (ujian akhir) Kitab Taudih Musthalah Al-Hadis
02 Nov 2025 375 views
Mahasantri Semester Dua Ma’had Aly Lirboyo ulas soal kesenjangan gaji guru pada forum Bahtsul Masail
2 Komentar
mbah nawer Mojoagung>
11 Juni 2025 | 23:07super
mbah nawer Mojoagung>
11 Juni 2025 | 23:07super luar biasa